المكان:
جبل الريس.. حي التفاح شرق مدينة غزة
الزمان:
صباح يوم الإثنين الخامس من يناير 2009
المشهد وتفاصيله:
3 مجموعات من العناصر الاستشهادية.. كل مجموعة منهم تضم استشهاديين اثنين.. الأولى في المقدمة، والثانية في القلب، والثالثة في المؤخرة.. كل مجموعة منها تحمل عدتها العسكرية، ومن ضمنها عبوات مضادة للأفراد وأسلحة رشاشة متوسطة وقذائف "آر. بي. جي" مضادة للدروع.. مع تفاصيل أخرى صغيرة.. مثل أكف ضارعة بالدعاء إلى الله بالتوفيق.. شفاه تقرأ القرآن الكريم بصوت خفيض.. أصوات بعض أجهزة الاتصال اللاسلكية.. بعضها ينقل تعليمات، وبعضها يضلل العدو الآخذ في الاقتراب.
الهدوء يلف المكان باستثناء أصوات صرير جنازير بعض الدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية التي تقترب من بعيد، ينكسر الهدوء مع هدير بعض الطائرات الإسرائيلية القادمة وهي تقصف المكان المفتوح لتأمين تقدم الرتل العسكري البري الإسرائيلي بعتاده الضخم، المكان يستحيل جحيما، ولا أحد يصدق أن جوانب الممر البري يضم كامنين متأهبين لا يزالون على قيد الحياة.
وما إن دخل الرتل العسكري الإسرائيلي إلى الممر في جبل الريس، حتى عاد الجحيم يفتح أوسع أبوابه.. عبوات مضادة للأفراد تنفجر.. طلقات نيران المقاومة تحصد من استطاعت حصده من العناصر الإسرائيلية الفارة.. وقذائف الـ"آر. بي. جي" تعطب ما تبقى من الآليات الإسرائيلية.
لم يكن ذلك المشهد من تأليف أحد أدباء الحرب، أو مشهد من مشاهد أفلام "الأكشن" أو الحركة الأمريكية، التي تبرع في وصف مشاهد الحرب، بل هو مشهد حقيقي ومن صناعة فلسطينية هذه المرة، كما رواه لـ"إسلام أون لاين.نت" أحد شهوده وصانعيه، الاستشهادي القسامي (هـ. ص).
معركة حربية
وفي المزيد من التفاصيل يحكي (هـ. ص) أنه وبعد أن تقدمت الدبابات الإسرائيلية في منطقة جبل الريس، شرع في تطبيق الخطة الموضوعة سلفا على مستوى غزة كلها؛ تحسبا من جانب المقاومة الفلسطينية سلفا للغزو البري الإسرائيلي.
ويوضح (هـ. ص) أن الخطة تبدأ بإجراء مناورات وهمية عبر أجهزة الاتصال التابعة لكتائب القسام، التي تعرف سلفا أنها مراقبة من جانب القوات الإسرائيلية: "أوهمت تلك المناورات القوات الإسرائيلية أن جميع الطرق يصعب الدخول من خلالها ما عدا طريقا واحدا، وكما هو مخطط تم استدراجهم للدخول من هذا الطريق الذي نصب فيه الكمين، بعد أن أوهمناهم أنه طريق سهل المرور فيه".
بدأت الطائرات الإسرائيلية بمختلف أنواعها بعملية تطهير لمنطقة التوغل؛ تحسبا لوجود عناصر المقاومة عبر قصف متقدم للمنطقة بكل أنواع الصواريخ وجميع الأماكن التي يتوقع أن يتواجد بها مقاومون، ثم بدأت قوة مكونة من 10 دبابات و4 ناقلات جند في التقدم عبر الطريق المراد استدراج العدو فيه، تحت ستار من القصف المدفعي الكثيف، وقنابل دخانية كثيفة للتعمية عن رجال الرصد التابعين للمقاومة والمنتشرين على خطوط متقدمة.
وتقدمت القوات الإسرائيلية بحذر، وبعد أن اطمأنت من خلو المنطقة من المقاومين ترجلت عناصر الوحدات الخاصة الإسرائيلية من ناقلات الجند، فتخطت المجموعة الأولى من الاستشهاديين دون أن تكتشفها.
وبعد أن أصبحت في مواجهة مجموعة الاستشهاديين الثانية، ضغط الاستشهادي الأول على زر تفجير العبوات المضادة للأفراد، بينما ضغط الثاني على زر تفجير العبوات المضادة للدروع، فتطايرت الأشلاء، وعلا الصراخ في وسط القوة الخاصة الإسرائيلية.. أربكت صفوفهم وعلا صراخهم، ووقع عدد من القتلى والجرحى في صفوفهم.
ثم خرج الاستشهاديان من مكامنهما وتقدموا من القوة الإسرائيلية الراجلة مسافة لا تزيد عن 10 أمتار، واشتبكوا معها عن قرب بالرشاشات المتوسطة التي يحملونها.
وشلت قدرة الدبابات الإسرائيلية عن استهداف الاستشهاديين بقذائفها؛ نظرا لقربهما من القوة الإسرائيلية الراجلة، بينما عجزت الطائرات الإسرائيلية التي كانت ترافق الدبابات عن تحديد أماكن المجاهدين، أو قصفهم خوفا من قتل مقاتليها.
وشرعت القوات المساندة، والتي ترابط في أماكن بعيدة، وبالتنسيق مع مجموعات الاستشهاديين عبر أجهزة اتصال خاصة في إطلاق نيران المضادات الأرضية تجاه الطائرات الإسرائيلية في المنطقة، وإطلاق قذائف الهاون لإشغال الدبابات الإسرائيلية وزيادة ارتباكها.
بي 29
وخلال اشتباك المجاهدين مع القوة الراجلة حاولت دبابة إسرائيلية من نفس القوة الالتفاف على الاستشهاديين لقتلهما، فكانت المجموعة الثالثة لها بالمرصاد، فلاحقها أحد الاستشهاديين وضربها بقذيفة (بي- 29) المضادة للدروع ذات الرأسين المتفجرين؛ مما أدى إلى اشتعال النار فيها، وشل حركتها قبل أن يعود إلى مكمنه من جديد.
وكانت كتائب القسام قد أعلنت في وقت سابق استخدامها للقذائف (بي- 29) لأول مرة في الحرب كأحد مفاجآتها التي وعدت بها قوات الاحتلال.
المعركة استمرت 15 دقيقة، وحاولت فيها القوة القسامية الحصول على أسرى من بين الجنود الإسرائيليين المصابين، لكن إحدى الطائرات الإسرائيلية قتلت أحد عناصر القوة القسامية والجندي الإسرائيلي الذي كان قد سيطر عليه العنصر القسامي وأسره.
وتمكنت ذات الطائرة من تحديد مكان استشهادي آخر؛ فلاحقته بصواريخها؛ مما أدى إلى إصابته بجروح متوسطة، لكنه تمكن من الفرار والاختباء في مكمن بديل كان قد أعد سلفا، بينما لم تتمكن الطائرات الإسرائيلية في عملية تطهيرها للموقع من إصابة أي عنصر من العناصر القسامية الباقية.
قصف "بجنون"
وتحت تغطية نيران الطائرات الإسرائيلي الكثيف، تمكنت مروحيات إسرائيلية من نوع "أباتشي" من الهبوط في المنطقة لنقل الجنود الجرحى، وبعد ساعتين تقدمت قوة إسرائيلية أخرى لسحب الدبابات الإسرائيلية التي أعطبت، وسلكت الطريق الذي توقعته خطة كتائب القسام، فوقعت في كمين آخر من قذائف الهاون والألغام الأرضية، بتنسيق بين فرق المدفعية التابعة لكتائب القسام والمجموعة المتقدمة من الاستشهاديين في منطقة الكمين؛ مما أدى لإعطاب عدد آخر من الدبابات الإسرائيلية.
في هذه المرحلة تدخل الطيران الإسرائيلي بجنون بكافة أنواعه وضرب كل المناطق بشكل عشوائي لتطهير المنطقة بشكل أكبر، ووصل القصف لينال عشرات المنازل المحيطة بالمنطقة.
وبعد 36 ساعة من وقوع الكمين الذي استمرت اشتباكاته ما يقارب 4 ساعات، تمكن مجاهدو القسام من الانسحاب بسلام مخلفين وراءهم أعدادا من القتلى والجرحى الإسرائيليين، وشهيدا قساميا رفض الاستشهادي "هـ. ص" الإفصاح عن اسمه، وترك ذلك لقيادة كتائب القسام.
كمين محكم
بدوره يروي أبو عبيدة، وهو قائد ميداني في كتائب القسام، لـ"إسلام أون لاين.نت" تفاصيل كمين محكم نفذته مجموعة قسامية خاصة أخرى في مكان آخر من جبل الريس.
يتبع في الرد القادم